الجمال والتذوق الحسي للزهور

الجمال والتذوق الحسي للزهور

خلق الله العالم وأودع فيه الجمال أغنية ترددها جميع مخلوقات الله في الصورة التي توافق طبيعة وكيان كل إنسان وشكل من هذا الكيان نورا يمثل الوحي والإلهام وهاتف يدعو إلى التمسك بالحياة والرغبة القوية في استمرارها.
وليس هناك من شك في أن الله أودع في مخلوقاته ملكة تذوق هذا الجمال والتفاعل مع وحي هذا الجمال الذي يأخذ بالألباب من روحانية عظيمة وربط بين هذا الجمال وبين الشعور والإحساس به ربطا ظاهرا.
ولعل أروع وأعظم ما في هذا الجمال أنه بعيد كل البعد عن المادية وأساليب قياس هذه المادية حتى اختلف الناس في التعبير عنه فمنهم من تصور الجمال في النظام والتنسيق ومنهم من رآه في توافق الألوان وهذا ولا شك إنما يرجع إلى التفاوت الكبير بين الناس تبعا لمستواهم الاجتماعي والثقافي والفكري وعاش الناس في أجناس مختلفة ومناطق متفرقة من العالم كل يشاهد ألوانا من جمال الطبيعة ولكن الإحساس بهذا الجمال يقتصر على البعض دون البعض الآخر فليس كل إنسان لديه حاسة التذوق الفني للجمال حتى أن مقاییس الجمال قد اختلفت من منطقة إلى أخرى فأصبح الإحساس بالجمال نسبيا ليست له قواعد معينة أو صورة بعينها.
ولكن العجيب حقا أن أمر هذا الجمال قد ارتبط منذ الأزل بكل ما هو حي أي بكل ما تدب فيه الحياة سواء كانت هذه الحياة تمتد إلى عشرات السنين أو إلى بضعة أيام بل بعضها قصر زمن حياته إلى بضع ساعات ولكن رغم ذلك فإنه كان يضفي روعة وجمالا على منظر يأخذ بمجامع قلوب بعض الناس وتخلص من ه ذه الفكرة إلى أن اجمال صورة حسية تعبر في وضوح وبساطة ودون أدنى تعقيد عن سر الحياة نفسها والأعجب من هذا ارتباط ما هو حي بأي بيئة تمتاز بالجمال وتمتاز في نفس الوقت

بالخمول كفيل أن يضفي عليها نعمة الجمال حيث يثير في النفس الإنسانية أحاسيس مختلفة ويرسي فيها أروع عوامل الارتباط هذه البيئة ولعل في البيئة النباتية بأنواعها المتباينة وإمكانات نموها ما يسعد الإنسان على مر الزمان باعتبار أن هذه البيئة إن هي إلا میدان يعبر عن الإحساس بالجمال إذا ما أعياه الإرهاق وأزمته حوادث الزمن فما عليه إلا أن يعيش لحظات بين أحضان هذه الطبيعة الجميلة ليجد متنفسا لأحاسيسه وبلسما لمتاعبه واستمرت الأزهار ولا زالت ينبوعا يفيض بالجمال وقبسا لنوره وقيثارة يصدر عنها أعذب الأنغام ونغما حالما يحمل الأرواح الشفافة إلى عالم الروعة والجمال .
ولا شك أن تنسيق الزهور إن هو إلا تعبير عن النفس البشرية ففي هذا التنسيق الذي يعبر عن الذوق والإحساس يجد الإنسان راحة للنفس وإسعادا لها.
وتلك هي رسالة الزهور الرائعة التي تظهر في أعظم صورها وأبدع أشكالها .

فلسفة تنسيق الزهور

تختلف هذه الفلسفة من شعب إلى آخر فبينما نجد أن الإنسان الصيني يعشق من النباتات ما كان له أريج عطري قوي ولذلك بحده شديد الإعجاب بالورد والأوركيد والبايولي وهذا الانطباع يتفق مع ميول معظم سكان دول أوربا .
نجد على العكس من ذلك الإنسان الياباني يضع في آنية الزهور أحيانا بعض الفروع العارية أو بعض الفروع التي تحمل ثمار دون الأزهار أو بعض فروع جافة تحملها بعض الأعشاب وقليل من الزهور فالياباني يرى الجمال في شكل الزهرة وتكوينها بينما غيره – يرى الجمال في الوانها .
وهناك علاقة قوية بين الياباني وبين الطبيعة فهو يحاول تقليد الطبيعة التي يعيشها في أحضان الغابات أو على سفوح الجبال حيث نجد له خطوطا ثلاث ظاهرة في عملية

تنسيق الزهور في السماء والأرض والإنسان فنجده يميل إلى تقليد ومحاكاة خطوط الأشجار المتعرجة والأزهار التي تنمو في الغابات أو على سفوح الجبال دون ما زراعة اما الانسان ولذلك بأحد الفنان الياباني فنانا أصيلا يخرج لوحته الي هي عبارة عن إناء يوضع به بعض الزهور أو العيدان أو الثمار بعد أن يقدم تركيز ذهنه في منظر طبيعي معين فيرمزون له بالشمس أو بالسماء
أما الخط الثاني فهو للإنسان وصور حياته المختلفة التي عاشها منذ بدء الخليقة حى اليوم أما الخط الثالث فيرمز للأرض منشأ الحياة ونهايتها.
ولا شك أن منسق الزهور في اليابان إنما هو فنان لديه موهبة يمارسها بمهارة وخيرة تنمو وتتأصل بالمران فنجده مثلا يصنع مزهرية تجمع بين فرع من الصنوبر وزهور من الورد حيث أن أشجار الصنوبر في نظره ترمز إلى القوة والرجولة حيث نجد أن أشجار الصنوبر تقف في الطبيعة عالية شامخة بهامتها المرتفعة وأوراقها الإبرية الخضراء تصارع أحداث الشتاء وحرارة الصيف فهي تمثل العزة والكرامة والكبرياء مما يجعل الياباني يزيد من اهتماماته بها أما الورد بألوانه الجميلة العظيمة الجاذبة فهو إنما يمثل الفتاة الجميلة ذات الشعور الجميلة والحديث الممتع الجذاب تستظل في حمي جبروت الصنوبر .
وقد يصنع الياباني زهرية رقيقة من أزهار الليليم معها بعض الورد الأحمر حيث ترمز أزهار الليليم إلى أحد العظماء الذي يحاول التعرف على ما حوله من مبدعات الجمال التي تمتاز بالرقة والروعة متمثلة في هذه الورود الحمراء.

علاقة الألوان بالتنسيق

لا شك أن الألوان في الزهور ذات تأثيرات مختلفة على النفس الإنسانية فمثلا نجد أن لون القرمزي في الأزهار يبعث على راحة الأعصاب أما اللون الأصفر فإنه كما يرى

 

البعض من أهم العوامل الباعثة على النشاط أما اللون الأحمر فإنه يشعر بالبهجة وهو من الألوان التي يحبها أصحاب العواطف الحارة والتي تناسب الأشخاص الذين يميلون إلى العبوس أما عن اللون البنفسجي في الزهور فإنه يبعث على إراحة الأعصاب لدرجة يشعر معها الإنسان برغبته القوية في الاسترخاء ويلاحظ أن حب الإنسان للألوان هوغريزة طبيعية في النفس .
والشيء الذي يجب مراعاته عند تزيين وتحميل حجرات المنزل بالأزهار هو مراعاة عمل الزوج خارج المنزل فإذا كان الزوج مثلا طبيبا أو مهندسا للكهرباء فيجب أن تكون الزهور التي تستخدم في المنزل ذات الألوان الباردة لسبب بسيط وهو أن – الألوان الدافئة تشعر بالحرارة فتكون حياة المنزل شديدة الارتباط بحياة العمل لديه فلا يشعره بالراحة المنشودة من جراء تحميل الحجرة بالزهور أما الشخص الذي يعمل أعمالا إدارية أو أعمالا تتصل بالزراعة فيجب أن تكون الأزهار المستخدمة في تحميل الحجرات من الأزهار ذات الألوان الدافئة حتى تشعره بالدفء الذي يكون في أمس الحاجة إليه .
بالطبع كما هو معروف أن الألوان الدافئة أساسها اللون الأحمر وهي ألوان قوية وتشعر الإنسان بالدفء أما الألوان الهادئة فتأثيرها هادئ وأساسها اللون الأزرق .

وتوجد عدة طرق لخلق التوافق والانسجام في الألوان عند تنسيق الأزهار لعل أهمها :

استخدام لون واحد متدرج:

التنسيق الذي يستخدم فيه توافق من لون واحد يمكن أن يحدث إذا ما استخدمنا مثلا في الزهرية الورد ذات اللون الأحمر المركز ثم الوردي ثم القرنفلي يضاف إلى ذلك اللون الأبيض فيحدث لون كحمرة الخجل فإذا أردنا تطبيق ذلك عمليا
فإنه يمكننا أن نستخدم أزهار التوليب الحمراء والياسنت الأقل حمرة والقرنفل البن الباهت وهذه يمكن

وضعها في وعاء أبيض لتدرج اللون من الأعمق إلى الأفتح حتى تصل إلى البني الفاتح ويليه الأبيض وهو لون الوعاء.
وفي العادة يستخدم في تنسيق الزهور في المنازل وعاء يماثل أحد الألوان المستخدمة فيه او اللون الذي يليه فمثلا نجد أن التنسيق الذي يحتوي على أزهار صفراء برتقالية أخرى صفراء يوضع في وعاء يكون لونه أصفرا باخضرار ولا تستخدم في هذه الحالة الوعاء ذات اللون الأزرق المخضر.
وكذلك نجد أن التنسيق المكون من توافق الألوان الباردة مثل البنفسجي والأزرق البنفسجي والأزرق في وعاء معدني أزرق رمادي مثل الفضة أو الأوعية الزجاجية .

استخدام لونين متضادين :

معروف أن اللون الأحمر يقابله اللون الأخضر ، واللون البرتقالي يقابل اللون الأزرق واللون الأصفر يقابل البنفسجي وهكذا وفي هذه الحالة يمكن وضع الأزهار الحمراء في وعاء أخضر . أما إذا استخدمنا الأزهار ذات اللون القرنفلي فإنه يمكن وضعها في وعلي يتميز بلونه الأخضر الخفيف أو الرقيق أما إذا وضعنا الأزهار الحمراء ذات اللون الغامق في وعاء أخضر يتميز بلونه الغامق فإن هذا الوضع يعطي تأثيرا مقبضا على النفس وفي هذه الحالة يجب استخدام الوعاء الأخضر الفاتح وإذا أردنا تكوينا جميلا رائعا فإننا نحضر الياسنت الأزرق البنفسجي والإيرس الأزرق وورد أليلزمان والجربيرا المشمش فهذا يعتبر من التكوينات الرقيقة التي تمتاز بروعتها وجمال تنسيقها .

استخدام ثلاثة ألوان :
يمكن استخدام الألوان الثلاثة على أن يكون أحدها أساسيا فإذا كان مثلا اللون الاساسي هو اللون البرتقالي فيمكن جمعه مع البنفسجي المزرق أو الأزرق المخضر فإذا الوعاء المستخدم مخضرا يكون لون الأزهار بنفسجي مزرق وبرتقالي وهما
المكملات اللون الأزرق .

وهناك بعض الملاحظات عند تنظيم الزهرية يجب مراعاتها :
أولا :
اختيار الوعاء المناسب لأن التنسيق يعتمد إلى حد كبير على شكل الوعاء وحجمه واتساع فوهته وعمقه وذلك لتثبيت الأزهار أو الأغصان المستخدمة ولا سيما وأن بعض الأزهار تظهر في صورة رائعة إذا ما تم تنسيقها في وضع رأسي مائل أو أفقي وهذا يعتمد إلى حد كبير على شكل الوعاء.
ثانيا :
يجب وضع ماء في الزهرية للارتفاع المناسب ويعتبر سطح الماء في الوعاء أو النقطة التي تلمس فيها الزهور هذا السطح هي النقطة التي تجذب النظر إليها .
ثالثا :
عند عمل التنسيق لإحدى الزهريات يجب أن توضع الأزهار في إحدى الصواني على يمين الشخص الذي يقوم بعملية التنسيق ويوضع الوعاء أمامه على بعد ۷۰سم على أن يكون هذا الوعاء أعلى قليلا من مستوى النظر ليمكن من رؤية الأزهار أثناء عملية التنسيق ثم يبدأ المنسق بعد ذلك في اختيار الأزهار كل زهرة على حدة واختيار الفروع وهي التي توضح مدى نجاح المنسق في عمله .
رابعا :
تهذيب الأزهار والزهور من خلال تقليمها وهذا يحتاج إلى علم وخبرة فيتخلص من بعض الزوائد غير المرغوب فيها سواء قبل التنسيق أو بعده .
خامسا :
تثبيت الأزهار جيدا بعد ذلك في الوعاء يعتمد هذا على خلق بعض الانحناءات في الجزء المغمور في الماء دون أن ينكسر وذلك يتم برفق وخفة . فلو أخذنا الليلييم كمثال نجد أن التنسيق يكون رائعة إذا ما كان الفرع الرئيسي
به بعض البراعم والفرع الذي يليه على أزهار متفتحة والفرع المسند على أزهار نصف متفتحة
وهناك بعض الملاحظات الهامة :
* يجب أن يتم التقليم بعناية بحيث لا يترك آثرا فإن كانت هناك أية آثار ظاهرة يج دعكها جيدا .

* إذا تصادف وكانت إحدى الزهرات ذات ساق قصيرة فيمكن إطالتها عن طريق إحضار ساق جافة وربطها بشريط لاصق في ساق الزهرة بحث يكون هذا الربط قبل نهاية هذه الساق ويشترط غمرها في الماء لكي تمتصه .
* يمكن استخدام الخله ( عيدان رفيعة تستخدم في تنظيف الأسنان ) لإصلاح الزهور ذات السيقان المجوفة والتي تتمایل رؤوسها مثل الكيريز أنتيم والزيننيا وذلك بغرس ه في وسط الزهرة حتى الوصول إلى الساق ولا تظهر من الزهرة .
*وحي يظهر ساق أحد الأزهار مائلا تقطع مایته بزاوية ثم يضغط عليها إلى أسفل بميل نحو الجانب غير المقطوع.

Comments (0)
Add Comment